الأدب في العصر الجاهلي
الأدب في العصر الجاهلي |
الأدب في العصر
الجاهلي
أولاً مصطلح الأدب:
كلمة (الأدب) التي تعني في تداولنا اليومي لها فن الشعر وفن النثر بأوسع المعاني. وهذه المدلولات لم تكن معروفة على هذا النحو عند عرب الجاهلية ولا في صدر الإسلام،أصل كلمة أدب في اللغة الدعاء، ومنه الدعاء إلى وليمة: يقال أدب القوم يأدبهم أدبا إذا دعاهم إلى طعام يتخذه، إذن لفظ “الأدب والمأدبة” في عرف الجاهليين واحد، يفيد الدعوة عامة، وإلى إلى الطعام خاصة، والداعي إليها يدعى “الآدب”.
وقد تطور معنى الكلمة بتطور حياة العرب، وانتقالها من دور البداوة إلى المدنية والحضارة، وفي العصر الإسلامي تأكد هذا السلوك النفسي الحسن لمدلول (الأدب) وتوسعت دلالاته؛ فأصبحت تعنى الكلمة فيما تعني: الترويض والتهذيب، بتقويم الأخلاق، والكرم والتسامح ومحبة الفضيلة وحسن التناول، وبهذا المعنى كان في بداية الإسلام، فقد ورد لفظ الحديث الشريف، (أدبني ربي فأحسن تأديبي).
قبل أن ينحصر بعد ذلك في الدلالة على طبقة المعلمين والمؤدبين للصبيان، أي رجال التربية والتعليم أواخر العصر الأموي وبداية العصر العباسي، والذين أطلق على مهنتهم تلك مصطلح (حرفة الأدب).
ومع الوقت، وباتساع الدراسات، ضيق مدلول الكلمة فاقتصرت على ما أجيد من الكتابة والكلام، سواء أكان ذلك المنظوم أم المنثور.
ولعل الجاحظ المتوفى سنة 55 ه أول من رسم المعنى الصحيح الذي نتداوله اليوم من كلمة الأدب من خلال اشتغاله بالبيان العربي وفصاحة القول من جهة، مصطلح النثر أو “النثر الفني” العربي:
النثر أحد قسمي القول، فالكلام الأدبي كله إما أن يصاغ في قالب الشعر المنظوم وإما في قالب القول المنثور. ولابن رشيق المسيلي القيرواني ” وكلام العرب نوعان: منظوم ومنثور، ولكل منهما ثلاث طبقات: جيدة، ومتوسطة، ورديئة، فإذا اتفق الطبقتان في القدر، وتساوتا في القيمة، لم يكن لإحداهما فضل على الأخرى، وإن كان الحكم للشعر ظاهرا في التسمية.
ويشرح ابن رشيق أن أصل التسمية في المنظوم وهي من نظم الدر في العقد وغيره، إما للزينة أو حفظا له من التشتت والضياع، أما إذا كان الدر منثورا.لم يؤمن عليه ولم ينتفع به.
من هنا حصلت عملية تشبيه الكلام الأدبي بالدور والمجوهرات وتوهم الناس أن كل منظوم أحسن من كل منثور من جنسه في معترف العادة. وذلك بالنظر إلى سهولة حفظ الكلام المنظوم واستظهاره بسبب الوزن، وانعدام الوزن في الكلام المنثور يجعه عرضة للنسيان والضياع، وذلك في وقت كان الناس فيه يتداولون النصوص الأدبية مشافهة دون الكتابة في هذا العصر الجاهلي والإسلامي الأول، وقد زال هذا التفاضل في عصور التدوين وكتابة النصوص كما في زماننا الحاضر، بحيث اختص كل من النثر والشعر بمجالات في القول تجعله أليق به. ويعتقد ابن رشيق محقا: إن ما تكلمت به العرب من جيد المنثور أكثر مما تكلمت به من جيد الموزون، وهو يقصد بذلك تلك الحقبة الزمنية قبل الإسلام وبدايات العهد الإسلامي تخصيصا.
وجاء هذا ردا كافيا علي الذين ينفون وجود نثر فني عربي جيد قبل الإسلام، وإنما كان ضياع ذلك النثر الجاهلي أو اختلاطه بسبب طبيعته الفنية الخالية من الوزن. وهو لم يعن بذلك إلا النثر الفني أي الأدبي الذي يتوفر – كما ذكر بروكلمان – “على قوة التأثير بالكلام المتخير الحسن الصياغة والتأليف في أفكار الناس وعزائمهم”. أما النثر الاعتيادي الذي يستعمل بين الأفراد في التداول اليومي الغرض الاتصال وقضاء الحاجات والثرثرة مما ليس فيه متانة السبك والتجويد البلاغي ولا قوة التأثير فلا يعتد به، وليس له قيمة اعتبارية في الدراسة الأدبية. ما أسباب قلة النثر الجاهلي؟
إن ما روي من النثر الجاهلي قليل بالنسبة لما روي من الشعر وذلك للأسباب الاتية:
- سهولة حفظ الشعر لما فيه من إيقاع موسيقي.
- الاهتمام بنبوغ شاعر في القبيلة يدافع عنها ويفخر بها.
- قلة أو إنعدام التدوين، والإعتماد على الحفظ والرواية.
أنواع النثر الفني العربي قبل الإسلام:
بالرغم من عدم وجود أي سجل أو كتاب مدون يحتوي على نصوص النثر الجاهلي يعود تاريخه إلى تلك الفترة من الزمن الغابر، إذ كان الناس يحفظونها ويتناقلونها عن طريق الرواية الشفاهية، مثل الشعر، وهذا وهذا ربما سبب قلتها، وكذا موقف الإسلام من بعضها، وبالرغم من ذلك فان الدارسين المحققين لهذا التراث الأدبي العربي ذكروا من أنواع النثر الأدبي في تلك الفترة خاصة بعض الأنواع منها:
- الخطابة،
- القصص،
- الأمثال،
- الحكم، الوصايا،
- النثر المسجوع.
الخطــابة:
هي فن مخاطبة الجماهير، بغية الإقناع والإمتاع، بكلام بليغ وجيز.
فهي قطعة من النثر الرفيع، قد تطول أو تقصر حسب الحاجة لها.
وهي من أقدم فنون النثر،لأنها تعتمد علي المشافهة،لأنها فن مخاطبة الجمهور بأسلوب يعتمد علي الاستمالة وعلي اثارة عواطف السامعين،وجذب انتباههم وتحريك مشاعرهم،وذلك يقتضي من الخطيب تنوع الأسلوب، وجودة الإلقاء وتحسين الصوت ونطق الإشارة.
أما الإقناع فيقوم علي مخاطبة العقل،وذلك يقتضي من الخطيب ضرب الأمثلة وتقديم الأدلة والبراهين التي تقنع السامعين.
- أقسام أو أجزاء الخطبة: للخطبة أجزاء ثلاثة هي (المقدمة – والموضوع – والخاتمة).
- أهداف الخطبة: الإفهام والإقناع والإمتاع والاستمالة.
وللخطابة مميزات تمتاز بها عن غيرها من الفنون، لذلك لا نستغرب أن يتحدث الجاحظ عن وجودها، ومنها:
- لها تقاليد فنية، وبنيوية، وسمات.
- لها زي معين وهيأة تمثيلية للخطيب، وأصول في المعاملة.
- كما أنها تستدعي إحتشاد الناس من وجهاء القوم.
- لها أماكن إلقاء هي نفسها أماكن التجمعات الكبرى ( مضارب الخيام، ساحات النزول، مجالس المسر، الأسواق). ﻫ- خصائص أسلوب الخطبة:
- قصر الجمل والفقرات.
- جودة العبارة والمعاني.
- شدة الإقناع والتأثير.
- السهولة ووضوح الفكرة.
- جمال التعبير وسلامة الألفظ.
- التنويع في الأسلوب ما بين الإنشائي والخبري.
- قلة الصور البيانية.
- الإكثار من السجع غير المكلف.
أسباب ازدهار الخطبة في العصر الجاهلي:
- دواعي الخطابة كالحرب والصلح والمغامرات.
- الفصاحة فكل العرب كانوا فصحاء.
أنواع الخطابة:
- الدينيـة: التي تعمد إلى الوعظ والإرشاد والتذكير والتفكير.
- السياسية: التي تستعمل لخدمة أغراض الدولة أو القبيلة.
- الاجتماعية: التي تعالج قضايا المجتمع الداخلية، والعالقة منها من أمور الناس، كالزواج….
- الحربية: التي تستعمل بغية إثارة الحماسة وتأجيج النفوس، وشد العزائم. قضائية: التي تقتضي الفصل والحكم بين أمور الناس، يستعملها عادة الحاكم أو القاضي.
القصص:
الذي كانت تهفو إليه النفوس وتسمو إليه الأعين عند عرب الجاهلية كما عبر عن ذلك بروكلمان، فكان القاص أو الحاكي، يتخذ مجلسه بالليل أو في الاماسي عند مضارب الخيام لقبائل البدو المتنقلة وفي مجالس أهل القرى والحضر، وهم سكان المدن بلغتنا اليوم.
فالقصص فن نثري متميز، عبارة عن مجموعة من الأحداث تتناول حادثة وواقعة واحدة، أو عدة وقائع، تتعلق بشخصيات إنسانية منها وأخرى مختلفة –غير إنسانية-، لها قسمين حسب طبيعة أحداثها هما؛ حقيقية واقعية وخيالة خرافية. تتميز القصة، بأنها تصور فترة كاملة من حياة خاصة، أو مجموعة من الحيوات، فهي تعمد إلى عرض سلسلة من الأحداث الهامة وفقاً لترتيب معين. بينما نجد الأقصوصة تتناول قطاعاً أو موقفاً من الحياة، فهي تعمد إلى إبراز صورة متألقة واضحة المعالم بينة القسمات، تؤدي بدورها لأبراز فكرة معينة. القاص: هو السارد للأحداث، أو هو خالق مبدع، تزدحم في رأسه أحداث وشخصيات، ينفخ فيها الروح لتتحدث بنعمة الحياة. مهمته أن يحمل القارئ إلى حياة القصة، ويتيح له الاندماج التام في أحداثها، ويحمله على الاعتراف بصدق التفاعل الذي يحدث ما بينهما، ويعود الأمر إلى قدرة القاص على التجسيد والإقناع.
كانت مادة القصص أو مواضيعه؛ متعددة ومتنوعة، وذلك بغية التسلية والمتعة، أو حتى الوعظ والإرشاد، أو شد الهمم، فكان بعضها يدور حول:
- الفروسية، تاريخ القبيلة، بطولات الأمجاد؛ مثل حرب البسوس، داحس والغبراء….
- قصص من الوقائع الحياة الاجتماعية اليومية بغية الإمتاع والتسلية.
- القصص الخرافي، الأساطير، مثل قصص الغول ومنازلته في الصحراء، الجان…
- القطع أو الاقتباس،
- الأحداث، الحبكة، التشويق،
- الحوار،
- الخبر،
- الأسلوب.
الأمثــال:
أبدع معظم العرب في ضرب الأمثال في مختلف المواقف والأحداث، وذلك لحاجة الناس العملية إليها، فهي أصدق دليل عن الأمة وتفكيرها، وعاداتها وتقاليدها، ويصور المجتمع وحياته وشعوره أتم تصوير، أقوي دلالة من الشعر في ذلك لأنه لغة طائفة ممتازة، أما هي فلغة جميع الطبقات. تعريف المثل: هو قول محكم الصياغة، قليل اللفظ، موجز العبارة، بليغ التعبير، يوجز تجربة إنسانية عميقة، مضمرة ومختزلة بألفاظه، نتجت عن حادثة أو قصة قيل فيها المثل، ويضرب في الحوادث المشابهة لها،
فهو فن أدبي نثري ذو أبعاد دلالية ومعنوية متعددة، انتشر على الألسن، له مورد وله مضرب. من أسباب انتشار الأمثال وشيوعها: خفته وحسن العبارة، وعمق ما فيها من حكمة لاستخلاص العبر، إصابتها للغرض المنشودة منها، الحاجة إليها وصدق تمثيلها للحياة العامة ولأخلاق الشعوب. ومن خصائص المثل: يجتمع في المثل أربعة لا يجتمع في غيره من الكلام: ” إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التشبية، وجودة الكتابة، إضافة إلى قوة العبارة والتأثير، فهو نهاية البلاغة. والأمثال في الغالب أصلها قصة، إلا أن الفروق الزمنية التي تمتد لعدة قرون بين ظهور الأمثال ومحاولة شرحها أدت إلى احتفاظ الناس بالمثل لجمال إيقاعه وخفة ألفاظه وسهولة حفظه، وتركوا القصص التي أدت إلى ضربها. وفي الغالب تغلب روح الأسطورة على الأمثال التي تدور في القصص الجاهلية مثل الأمثال الواردة في قصة الزباء ومنها:
” لا يطاع لقصير أمر, ولأمر ما جمع قصير أنفه” ـ ” بيدي لا بيد عمرو”. وكذلك الأمثال الواردة في قصة ثأر امرئ القيس لأبيه ومنها: ” ضيعني صغيرا وحملني ثأره كبيرا ” ـ ” لا صحو إليوم ولا سكر غدا ” ـ ” اليوم خمر وغدا أمر”. وربما يستطيع المحققون بجهد أن يردوا بعض هذه الأمثال لأصحابها ومبدعيها، فمن حكماء العرب عدد كبير قد اشتهر بابتكاره وإبداعه للأمثال، بما فيها من عمق, وإيجاز, وسلاسة, يقول الجاحظ: ” ومن الخطباء البلغاء والحكام الرؤساء أكثم بن صيفي، وربيعة بن حذار، وهرم بن قطيعة، وعامر بن الظرب، ولبيد بن ربيعة . وأحكمهم أكثم بن صيفي التميمي, تدور علي لسانه حكم وأمثال كثيرة, وهي تجري علي هذا النسق : ” رب عجلة تهب ريثا ” ـ ” ادرعوا الليل فإن الليل أخفى للويل. المرء يعجز لا محالة “. ” لا جماعة لمن اختلف ” ـ ” لكل امرئ سلطان على أخيه حتى يأخذ السلاح, فإنه كفى بالمشرفية واعظا ” ـ ” أسرع العقوبات عقوبة البغي”. ولكن أمثال العرب لم تأت على مثل هذه الدرجة من الرقي والانضباط الأسلوبي, مثل التي جاء بها أكثم, بل إن كثيرا من الأمثال الجاهلية تخلو من التفنن التصويري, وهذا بطبيعة الأمثال فإنها ترد على الألسنة عفوا وتأتي على ألسنة العامة لا محترفي الأدب, فلم يكن من الغريب أن يخرج بعضها علي القواعد الصرفية والنحوية دون أن يعيبها ذلك مثل:
- أعط القوس باريها ( بتسكين الياء في باريها والأصل فتحها )
- وأيضا ( أجناؤها أبناؤها ) جمع جان وبان والقياس الصرفي جناتها بناتها لأن فاعلا لا يجمع علي أفعال وهذا يثبت أن المثل لا يتغير بل يجري كما جاء علي الألسنة وأن خالف النحو وقواعد التصريف .
- إما حقيقية: لها أصل، من حادثة واقعية، وقائلها معروف غالبا.
- أوالفرضية: ما كانت من تخيل أديب ووضعها عل لسان طائر أو حيوان أو جماد أو نبات أو ما شاكل ذلك، والفرضية تساعد على النقد والتهكم ووسيلة ناجحة للوعظ والتهذيب. – بعض يمثل منهجا معينا في الحياة كقولهم: إن الحديد بالحديد يٌِفًلح
- وبعضها ما يحمل توجيها خاصا كقولهم: قبل الرماء تملأ الكنائن.
- وبعضها يبني علي ملاحظة مظاهر الطبيعة او يرتبط بأشخاص اشتهروا بصفات خاصة. أما من حيث اللغة فقد تستعمل الفصحى وهي عادة المثل الجاهلي، وقد تستعمل اللهجة العامية، وقد تكون هجينة ما بين ألفاظ فصحى وأخرى دخيلة وتسمى بالمولدة.
الـــحكم:
الحكمة قول موجز مشهور صائب الفكرة، رائع التعبير، يتضمن معنى مسلماً به، يهدف عادة إلى الخير والصواب، به تجربة إنسانية عميقة. من أسباب إنتشارها: إعتماد العرب على التجارة استخلاص العظة من الحوادث نفد البصية والتمكن من ناصية البلاغة. خصائصها:
- روعة التشبيه
- قوة الفظ
- دقة التشبيه
- سلامة الفكرة مع الإنجاز
النثر المسجوع أو سجع الكهان:
وهذا نوع من النثر في العصر الجاهلي أولاه المستشرقون من العناية أكثر مما يستحق، وبعضهم كان يغمز بذلك من طرف خفي إلى الفواصل في آيات القران الكريم كأنه يريد الطعن في إعجازه. يقول المستشرق بلاشير في كتابه ( تاريخ الأدب العربي)، أن سكان المجال العربي(…..) عرفوا، دون ريب نظاما إيقاعيا تعبيريا سبق ظهور النثر العربي، ولم يكن هذا الشكل الجمالي هو الشعر العروضي، ولكنه نثر إيقاعي ذو فواصل مسجعة “. ويضيف أنه من الممكن أن يصعد السجع إلى أكثر الآثار الأدبية عند العرب إيغالا في القدم، وبالتالي إلى ماضي أكثر غموض”.فهناك من يؤكد بأن المسجوع كان المرحلة الأولى التي عبرها النثر إلى الشعر عند العرب.
يقول ابن رشيق: وكان كلام العرب كله منثوراً، فاحتاجت العرب إلى الغناء بمكارم الأخلاق وطيب أعراقها، وصنعوا أعاريض جعلوها موازين للكلام، فلما تم لهم وزنه سموه شعراً “. فلما استقر العرب، واجتمعوا بعد تفرق، وتحضروا بعد بداوة، واجتمع لهم من سمات الحضارة وثقافة الفكر، وتنظيم الحياة، ما جعلهم يشعرون بحاجتهم إلى كلام مهذب، وأسلوب رشيق، وفكرة مرتبة، فكان النثر المسجوع وسيلتهم في ذلك. تعريفه: ” لون فني يعمد إلى ترديد قطع نثرية قصيرة، مسجعة ومتتالية، تعتمد في تكوينها على الوزن الإيقاعي أو اللفظي، وقوة المعنى”، فمن مميزاته أنه يأتى:
محكم البناء، جزل الأسلوب، شديد الأسر، ضخم المظهر، ذو روعة في الأداء، وقوة في البيان، ونضارة في البلاغة. لغته تمتاز: بشديدة التعقيد، كثرة الصنعة، كثرة الزخارف في أصواتها وإيقاعها. لذلك فالنثر المسجوع يأتي في مرحلة النضج. بينما كنا قد رجحنا من قبل بأسبقية الأمثال على غيرها من أشكال التعبير النثري.
وظاهرة السجع المبالغ فيه في النثر الجاهلي، قد ارتبطت بطقوس مشربة بسحر والكهون ومعتقدات الجدود، لذلك يكثر في رأيه ترديد القطع النثرية القصيرة المسجعة أثناء الحج في الجاهلية، وحول مواكب الجنائز، مثل قول أحدهم: من الملك الأشهب، الغلاب غير المغلب، في الإبل كأنها الربرب، لا يعلق رأسه الصخب، هذا دمه يشحب، وهذا غدا أول من يسلب”. ويتصف هذا النثر إجمالا باستعمال وحدات إيقاعية قصيرة تتراوح بين أربعة وثمانية مقاطع لفظية (…) تنتهي بفاصلة أو قافية، ودون لزوم التساوي بين الجمل أو المقاطع.
الوصايا:
وصى، أو أوصى الرجل بمعنى؛ عهد إليه، قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ” استوصوا بالنساء خير فإنهن عندكم عوان “.
والوصية من عند الله إنما هي فريضة، يقول تعالى:” يوصيكم الله في أولادكم..”.
وسميت بالوصية أيضا لاتصالها بأمر الميت،
وتعني كذلك كلمة وصى الشيء وصياً أي اتصل، ووصله، فقد قيل لعلي كرم الله وجهه ” الوصي” لإتصال نسبه بنسب الرسول صلى الله عليه وسلم.
الوصية: هي من ألوان النثر التي عرفها العرب في الجاهلية، وهي قول حكيم صادر عن مجرب خبير يوجه إلي من يحب لينتفع به، أو من هو أقل منه تجربة.
أجزاء الوصية:
- المقدمة: وفيها تمهيد وتهيئة لقبولها.
- الموضوع: وفيه عرض للأفكار في وضوح واقناع هاديء.
- الخاتمة: وفيها إجمال موجز لهدف الوصية.
ويتضح ذلك على سبيل المثال؛ في (وصية أم لإبنتها) عند زواجها لأمامة بنت الحارث.
خصائص أسلوب الوصية:
- دقة العبارة ووضوح الألفاظ.
- قصر الجمل والفقرات.
- الإطناب بالتكرار والترادف والتعليل.
- تنوع الأسلوب بين الخبر والإنشاء.
- الإقناع بترتيب الأفكار وتفصيلها وبيان أسبابها.
- الإيقاع الموسيقي، إذ يغلب عليها السجع، لتأثيره الموسيقي.
- إشتمالها على كثير من الحكم.
- سهولة اللفظ، ووضوح الفكرة.
وهناك فرق بين الوصية والخطبة ألا وهو:-
أن الخطبة: هي فن مخاطبة الجماهير لاستمالتهم وإقناعهم.
أما الوصية: فهي قول حكيم لإنسان مجرب يوصي به من يحب لينتفع به في حياته