تاريخ الدولة العثمانية من البداية الى النهاية – الحلقة 2 –

 

تاريخ الدولة العثمانية من البداية الى النهاية - الحلقة 2 -
تاريخ الدولة العثمانية من البداية الى النهاية – الحلقة 2 –

علاء الدين كيقباد الأول 

هو كيقباد الأول بن كيخسرو الأول بن قلج أرسلان الثاني بن مسعود بن قلج أرسلان الأول بن سليمان بن قلتمش ، وسع حدود السلطنة على حساب جيرانه وخصوصاً إمارات المنكوجكيين والأيوبيين كما دعم وجود السلاجقة في البحر المتوسط بعد سيطرته على ميناء ألانيا (أي: علائیة) والذي سمي هكذا على اسم “علاء” فيما بعد تكريماً له ، كما أخضع جنوب شبه جزيرة القرم لسيطرة السلاجقة لفترة وجيزة من الزمن بعد غزوه لسوداك (Sudak) على البحر الأسود ،ويلقب هذا السلطان أيضاً بكيقباد العظيم وذكره ابن كثير بأنه كان مِنْ أَعْدَلِ المُلُوك وَأَحْسَنِهِمْ سِيرَة ، ويذكر اليوم بتراثه المعماري الغني والثقافة الرائعة التي ازدهرت في ظل حكمه .

يمثل عهد كيقباد ذروة القوة والنفوذ السلجوقي في الأناضول ، وكان كيقباد يعد ألمع أمراء سلالة سلاجقة الروم . وقد أطلق سكان الأناضول في الفترة التي تلت الغزو المغولي في منتصف القرن الثالث عشر ، على حكمه  العصر الذهبي فقد ضعفت مملكة أرمينيا الصغرى وأصبحت خاضعة لسلطة السلاجقة وقد وطن السلطان علاء كيقباد التركمان على طول حدود جبال طوروس في منطقة عرفت فيما بعد باسم مرسين وقد أسس هؤلاء التركمان فيما بعد إمارة قرمان . 

 تقدم كيقباد في سنة 1228/1227م إلى شرق الأناضول ، وقد خلق وصول جلال الدين منكبرتي الفار من مملكة الغزنويين بعد دمارها على يد المغول حالة من عدم الاستقرار السياسي  ، كما نجح كيقباد في هزيمة الأيوبيين والأراتقة وإمارات المينجوجيك واستولى على حصون في أديامان وكاهاتا وجمشكزك .

وسعى كيقباد إلى عقد تحالف مع نسيبه جلال الدين منكبرتي لمواجهة تهديدات المغول ، لكن لم يتحقق هذا التحالف ، وسيطر جلال الدين على حصن كاهاتا . وما لبث أن هزم كيقباد جلال الدين في معركة ياسيتشيمين (بالتركية: Yassıçemen Savaşı) والتي وقعت ما بين سبسطية (سيواس) وإرزينجان سنة 1230م ، و قد وضع كيقباد نصب عينيه ازدياد قوة المغول وتوسع نفوذهم فأقام القلاع وعزز الدفاعات في المحافظات الشرقية ، لكنه توفي في سن مبكرة سنة 1237م.

حكم علاء الدين كيقباد الأوّل 17 عاماً ، وعلى الرغم من أنّه ماتَ في سنٍ صغيرة ( 49 عاماً ) فإنّ أثره كان عظيماً وكبيراً ، ليس فقط على مستوى ازدهار الدولة السياسي والعسكري وإنّما أيضاً على مستوى الثقافة والفنون والعمارة .

وكانت دولة السلاجقة في ذلك الوقت تقع بين أنيابٍ ثلاثة قوى ،  فمن ناحية الشرق كان المغول قد بدأوا غزوهم للأناضول وآسيا الصغرى ، ومن ناحية الغرب كان البيزنطيون على عداءٍ دائم مع دولة السلاجقة ،  إضافةً إلى الصراعات الإسلامية الأخرى مع دولة الغزنويين المنهارة ودولة الأيوبيين التي أرادت التوسُّع في الأناضول على حساب السلاجقة .

بدأ علاء الدين يرتِّب أموره الداخلية أولاً ، فأقصى الأمراء الذين لا يدينون له بالولاء ، ثمّ وجّه أنظاره ناحية أرمينيا الصغرى وآسيا ، كما أدار علاقاته مع البيزنطيين بدبلوماسية   ، و كان أخوه السلطان السابق كيكاوس الأول قد بدأ حرباً مع الملك العادل ملك الأيوبيين ، وطمع في السيطرة على حلب ، لكن العادل قد هزم جيش كيكاوس الأوّل ، وسيطر الجيش الأيوبي من جديد على بعض المناطق التي خسرها قبل تلك المعركة ، و تناغما مع سياسة علاء الدين الدبلوماسية فقد أبرم الصلح مع الأيوبيين وتزوّج ابنة الملك العادل الأيوبي .

 تبقَّى له الآن أن يوطّد حكمه ويوسّع جيشه ويطوره للاستعداد للقاء المغول الزاحفين على الأناضول ، لكن الوضع الجغرافي والجيوسياسي الذي كان فيه لم يمهله ، فقد بدأ جلال الدين منكبرتي ، الملك المسلم ، الذي قضى المغول على مملكة أبيه ومن ثمّ مملكته لاحقاً ، يناوش السلطان علاء الدين ويظهر العداوة بعدما تراسلا معاً وتعاهداً على قتال المغول و فيما يبدو كان جلال الدين منكبرتي ، بما تبقّى من جيشه الذي هزم في النهاية بعد تحقيق عدة انتصارات على المغول ، يبحث عن قاعدة ينطلق منها في محاولته المستميتة لاسترداد ملك أبيه في خوارزم وبلاد ما وراء النهر وما حولها، ويبدو أنه فكر في الاستيلاء على مدينة أخلاط ، وهنا اجتمع جيش علاء الدين كيقباد وجلال الدين منكبرتي الذي تحالف مع بعض الأمراء الأيوبيين في ذلك الوقت ، وهُزم جلال الدين منكبتى هزيمة نكراء .

استغلّ كيقباد هذا الانتصار ، وبدأ في التوسُّع في بلاد الأرمن ودخل تفليس عاصمة جورجيا ، وبالطبع لم يفته أن يضمّ العساكر الخوارزمية التي أصبحت بلا قائد بعد مقتل جلال الدين منكبرتي ، وقد حاول الملك الأيوبي الكامل أن يدخل بجيشه بلاد السلاجقة ، لكنها انتهت بهزيمته على يد علاء الدين كيقباد رغم ذلك لم يستطع أن يحمي دولة السلاجقة من الزوال .

و قد وصف ابن كثير علاء الدين كيقباد بأنّه

«كان من أعدل الملوك وأحسنهم سيرةً ، وقد زوّجه العادل ابنته وأولدها»، كنّا قد ذكرنا أنّ السلطان قد تزوّج ابنة العادل ، وقد أولدته ولدين ، جعل لأحدهما ولاية العهد وهو «عز الدين قلج أرسلان الثالث »، وألزم الأمراء بمتابعة ذلك والبيعة له فبايعوه ، ولكن بعد وفاة السلطان كيقباد تلاعب بعض أمراء ووزراء الدولة السلجوقية  وأقرّوا ابنه الآخر وهو من زوجةٍ أخرى على السلطنة .

سيطر «غياث الدين كيخسرو» أو بالأحرى سيطر أمراؤه ووزراؤه على مفاصل الدولة، وأمروا بقتل وليّ العهد الشرعي عز الدين قلج أرسلان(الثالث) وأمّه، وضربوا  عرض الحائط بوصية السلطان الذي يبدو أنّه كان يُمنِّي نفسه إن أعطى لابنه قلج أرسلان السلطنة أن يكفّ أخواله الأيوبيين عنه أذاهم فيتفرّغ لقتال المغول وبقية الإمارات في الأناضول وآسيا الصغرى .

تولى الحكم كيخسرو الثاني الذي بدأ في عهده بمواجهة الكثير من الثورات التي أضعفت الجيش والدولة نتيجة الحروب المتكررة، وفي الوقت نفسه كان الخطر المغولي قد اقتربَ بالفعل، فاحتلَّ المغول أرضروم واستطاعوا أن يهزموا جيوش السلاجقة ليضطر كيخسرو الثاني أن يخضعَ لسلطة المغول ، وبعدَ وفاته انقسمت الدولة لحكم ثلاثي ثمَّ لحكم ثنائي بين ولديه عز الدين كيكاوس الثاني وركن الدين قلج أرسلان الرابع ؛ حتى عام 1260م، حيث انقسمت الدولة بين أبنائه الثلاثة، بعد ذلك بدأت الدولة تنقسم إلى إمارات أصغر وتنعزل عن سلطة المغول والسلاجقة، حتى عام 1277م عندما هاجم الظاهر بيبرس منطقة الأناضول وهزمَ المغول .

 وبسبب ضعف القبائل هناك وتفرقهم ترك َ بيبرس المنطقة وعاد إلى مصر تاركًا المنطقة لتعود تحت تحكُّم المغول، وبقيَت المنطقة في تخبُّط تحت حكم السلاجقة والمغول إلى أن ظهرَ العثمانيون وسيطروا على المنطقة بالكامل . 

أرطغرل غازي 

الأميرُ الغازي أرطُغرُل بك بن سُليمان شاه القايوي التُركماني،بالتركية:  Ertuğrul Gazi أو أرطغرل بك ( Ertuğrul Bey) ومعنى الاسم: بالتركية “ار er” تعني “رجل أو جندي أو بطل”، و”طغرل tuğrul” تعني “طائر العقاب .

أرطغرل :  الرجل العقاب أو البطل الجارح، ولد حوالي عام 1191م  – والمتوَفّى في عام 1281م بمدينة سكود، بالأناضول ؛ و هو والد السلطان عثمان الأول مؤسس الدولة العثمانية ، وهو أيضا قائد قبيلة قايى من أتراك الأوغوز الذين هاجروا إلى آسيا الصغرى ( الأناضول ) بسبب الهجمات المغولية ، وهو من عائلة بكوات عشيرة قايى التي تُعد سلالةً خاقانية ، ومن المعلومات المؤكدة أيضا أن أباه وأجداده هم بكوات ( أمراء ) هذه العشيرة ، ومذهب القبيلة والأسرة هو حنفي المذهب من أهل السنة والجماعة . 

 أرطغرل غازي و علاء الدين كيقباد الأول ؛ وحقيقة الخلاف على إسم والد أرطغرل بين المؤرخين .

 تذكر المصادر التاريخية الأولى أن والد أرطغرل غازي هو كوندوز ألب بن كوك ألب التي كتبها ( أحمدي 1412م ) و ( كاراماني محمد باشا 1481م ) و ( روحي 1522م ) بينما تذكر مصادر أخرى أن والد أرطغرل هو سليمان شاه بن قايا ألب . مثل ( عاشق باشا زاده 1484م ) و( نشري 1520م ) وهي الرواية التي يؤيدها إدريسي البتليسي ( 1520م ) ولطفي باشا ( 1541م ).

وتذكر المصادر القائلة إن سليمان شاه هو والد أرطغرل أن سليمان شاه مات غرقاً أثناء محاولته عبور نهر الفرات قادما من حلب ، ومتجهاً إلى مدينة “ديار بكر” ( تقع حالياً جنوب شرقي تركيا ). ودفن بجوار قلعة جعبر بمنطقة الجزيرة السورية .

 كان أرطغرل بن سليمان شاه قائداً لإحدى قبائل الترك النازحين من سهول آسيا الغربية إلى بلاد آسيا الصغرى ( الأناضول )،  وكان راجعاً إلى بلاد العجم بعد موت أبيه الذي غرق عند إجتيازه نهر الفرات قرب قلعة جعبر على بعد 250 كم جنوب غربي مدينة ماردين التركية ومازال قبره هناك و شاهد أرطغرل جيشين مشتبكين فوقف على مرتفع من الأرض ليمتع نظره بهذا المنظر المألوف لدى الرُحّل من القبائل الحربية ، و لمّا آنس الضعف في أحد الجيشين و تحقق إنكساره و خذلانه إن لم تُمدّ إليه يد المساعدة، ، فدَبّت فيه النخوة الحربية و نزل هو و فرسانه مسرعين لنجدة أضعف الجيشين ، و هاجم الجيش الثاني بقوّة و شجاعة عظيمتين حتى وقع الرعب في قلوب الذين كادوا يفوزون بالنصر ، لولا هذا المدد الفجائي ، وأَعمَلَ فيهم السيف والرمح ضرباً و وخزاً حتى هزمهم شرّ هزيمة ، وكان ذلك في أواخر القرن السابع للهجرة النبوية.} ( محمد فريد بك تاريخ الدولة العلية).

 بينما الروايات القائلة إن والد أرطغرل هو كوندوز ألب بن كوك الب فتقول إن كوندوز الب كان يرأس عشيرة قايي بعد أن قدموا من آسيا الوسطى وبدؤوا يتقدمون داخل الأناضول بحثاً عن وطن جديد ، ثم استقروا في مكان منحه لهم السلطان السلجوقي علاء الدين كيقباد بالقرب من أنقرة  وهناك توفي كوندوز الب ، وبعض المصادر تذكر أنه توفي في الأناضول قبل أن تلتقي عشيرته مع السلطان علاء الدين كيقباد . فقرر اثنان من أبنائه الأربعة وهما صونغورتكين وغون دوغدو العودة إلى وطنهم القديم ، بينما قرر أرطغرل وأخوه الأصغر دوندار التقدم غرباً داخل الأناضول .

صادف ذلك وجود معركة بين قوات من السلاجقة والمغول بالقرب من سيواس ( ولاية وسط تركيا الحالية ) فسارع جنود عشيرة قايي بقيادة أرطغرل لمساعدة السلاجقة الذين كانوا في موقف صعب وعلى وشك الهزيمة . وبفضل شجاعة وإقدام جنود عشيرة قايي بقيادة أرطغرل تمكن السلاجقة من الانتصار على المغول في تلك المعركة .

 وأعجب السلطان علاء الدين كيقباد كثيراً بأرطغرل لما سمعه عن شجاعته وفروسيته فأرسل العديد من الهدايا والعطايا إلى عشيرة قايي ومنحهم منطقتي قراجا داغ و قيزيلجا سراي أوز بالقرب من أنقرة لتكون وطناً لهم ، ولعل ما يؤيد الرواية الثانية ويرجح كفتها هو وجود ضريح حالياً باسم “كوندوز الب” بقرية “خرقه تبه” في منطقة بي بازاري التابعة لأنقرة ، أي بالقرب من المكان الذي منحه السلطان علاء الدين لعشيرة قايي ، ولا يزال الضريح قائماً حتى الآن ويزوره الكثيرون وتعلوه لافتة رخامية ضخمة كتب عليها ” الغازي كوندوز الب 1158- 1236..

ومن الشواهد الأخرى التي ترجح كفة الرواية الثانية ، إطلاق أرطغرل بي اسم كوندوز على أكبر أبنائه ، ومن المعروف أن إطلاق اسم الجد على أول حفيد بالعائلة كان من العادات الشائعة لدى قبائل الأتراك وقتها ،  الأمر الثالث والذي يعد الدليل الأكبر على صحة الرواية الثانية هو أن الدراسات التي أجريت على العملة التي يُعتقد أنها أول عملة سكها عثمان غازي مؤسس الدولة العثمانية ( اكتشفت عام 1977 وأُعلنت عام 1980 من قبل عالم المسكوكات التركي الشهير إبراهيم أرتوك )، وقد أثبتت أن أحد وجهي العملة مكتوب عليه ” عثمان بن ارطغرل بن كـ..د.ز الب” والوجه الآخر كتب عليه ” عثمان بن ارطغرل ايده الله .

على ذلك يرجح غالبية المؤرخين المعاصرين أن والد أرطغرل غازي هو كوندوز الب وليس سليمان شاه استناداً إلى القرائن التي ذكرناها آنفاً ، وأن سبب الخلط في المصادر القائلة إن والد أرطغرل هو سليمان شاه هو اعتماد تلك المصادر على الثقافة الشفاهية والأقوال المتواترة لا على الحقائق التاريخية .

ويذكر المؤرخ إسماعيل حقي أوزون تشارشلي وهو من أشهر المؤرخين الأتراك في بداية عهد الجمهورية ، أن والد أرطغرل هو كوندوز الب وأن ذلك يوافق المصادر التاريخية البيزنطية أيضاً ، كذلك يذكر المؤرخ التركي الكبير خليل إنالجيق  في كتابه ” الأساطير والحقائق في التاريخ العثماني” أن والد أرطغرل غازي ليس سليمان شاه كما يعتقد البعض ، بل كوندوز الب .

البروفيسور “إيلبر أورتايلي” أستاذ التاريخ بجامعتي غلاطة سراي بإسطنبول ، وبيل كنت بأنقرة ، يرى أن سبب الخلط في هذا الموضوع هو أن سلاجقة الأناضول كانوا يولون أهمية وقيمة كبيرة لـ ” سليمان شاه بن قلتمش ” مؤسس دولة سلاجقة الروم .

 وكان كل سلاطين دولة سلاجقة الأناضول يقرنون أسماءهم باسمه كما كان له شهرة واسعة بين أفراد الشعب ؛ ولعل ذلك هو السبب الذي جعل أتراك قبيلة “قايي” يقرنون اسم أرطغرل أيضا به .

 أما البروفيسور أحمد شمشيرغيل أستاذ التاريخ بجامعة مرمرة ، فيذكر في الجزء الأول من سلسلة كتبه “قايي” حول تاريخ الدولة العثمانية أن والد أرطغرل هو كوندوز الب ، ولكنه في موضع أخر يذهب إلى احتمالية أن يكون الاسم الكامل لكوندوز الب هو “سليمان كوندوز الب” وأنه ربما ذكرت بعض المصادر الجزء الأول فقط من اسمه بينما اكتفت المصادر الأخرى بنقل اسم كوندوز فقط ، مستشهداً في ذلك بأن العديد من الحكام الأتراك كانوا يتسمون بأسماء مركبة قسمها الأول اسم عربي إسلامي والقسم الثاني اسم تركي مثل السلطان السلجوقي الكبير “الب آرسلان” واسمه الكامل “محمد الب أرسلان”و كذلك أبوه تشاغري بك واسمه الكامل “داود تشاغري بك”و كذلك الأمير جم ابن السلطان محمد الفاتح المشهور بـ “جم سلطان”، واسمه الكامل “غياث الدين جم” إلا أن غالبية المصادر التاريخية تكتفي فقط بذكر القسم الثاني من الاسم. وعليه ربما يكون يكون سليمان شاه هو الاسم الأول لكوندوز الب  لذلك فالراجح هو أن سليمان شاه هو نفسه كوندوز والد أرطغرل غازي .

 زواج أرطغرل 

تزوج أرطغرل من السلطانة حليمة عام ( 1227م ) ، وأقرب الروايات أن حليمة والدها هو السلطان غياث الدين مسعود بن كيكاوس السلجوقي ، وكان للسلطانة حليمة شأن وتأثير كبير في تاريخ قبيلة القايى ، وتأسيس الدولة العثمانية ، ودعم زوجها الغازي أرطغرل عندما تسيد القبيلة ، وهي التي ترعرت ونشأت في قصور السلاجقة من السلالة السلجوقية ، ثم انتقلت إلى خيمة السيادة في قبيلة « القايى » بجانب الأم « هايماه » والده ارطغرل وبصحبة زوجها أرطغرل ووالده .

وتأسست مؤسسة باجيان روم في عهد أرطغرل كما يذكر المؤرخ عاشق باشا في كتابه الحوليات العثمانية ، وهي عبارة عن مؤسسة نسائية تعتبر رافدًا مساعدًا للدولة ، وأصبحت فيما بعد عدد المنتسبات للمنظمة تجاوز المئة ألف ، وفي رواية أخرى الثلاثين ألف منتسبة. 

 البحث عن وطن 

كانت قبيلة القايى تستوطن في بلاد ماهان قرب بلخ ، فلما ظهر جنكيزخان ، وأخرج منها السلطان علاء الدين خوارزم شاه ، وتفرق أهلها ، ترك والد أرطغرل البلاد مع من تركها من الملوك وغيرها ، وقصد بلاد الروم ، وكان قد سمع بدولة السلاجقة وعظم شوكتهم ، وكثرة غزوهم إلى الكفار ، وتبعه في ذلك خلق كثير ، ثم قصدوا صوب حلب من ناحية البستان أو الأبلستين والمقصود أنهم اتجهوا نحو الجنوب الغربي ، وبسبب الخلافات والصراعات داخل الدول الإسلامية وتغلغل الصليبيين في أجهزة الدولة ، عاد مع قبيلته .   

وأثناء عودتهم من ماردين التي تبعد 200 كيلو متر من خلاط- وقيل من حلب- وكان يترأسها الملك المنصور ناصر الدين ارتق أرسلان الملك السادس طلب منهما الدفاع عنها من جيوش المغول ، وأثناء عبورهم نهر الفرات قرب قلعة جابر غرق والد ارطغرل  بحصانه ، وتوفي تقريبًا في أواخر عام (1229) ميلادي .

 أراد أرطغرل -بعد وفاة والده- أن يكمل مسيرته في البحث عن وطن آمن ، وهو يحمل روح المخاطرة والمغامرة من أجل مبادئه وأفكاره ، بينما إخوانه أرادوا العودة إلى موطنهم الأصلي ، يبحثون عن الأمن وعدم إراقة كثير من الدماء .

 الأناضول المنشود 

الأناضول أو الأناطول: معناها الشرق وتُطلق الآن على الأراضي الواقعة شرق البحر المتوسِّط ، وهي جزءٌ من الجمهوريَّة التركيَّة . أي الجزء الآسيوي من تركيا .

 كان لظهور المغول أثر كبير في إزاحة عدد كبير من أتراك آسيا الذين يعيشون في منطقة التركستان وأفغانستان ، إلى الغرب ، حيث هرب هؤلاء الفلاحين إلى أبعد المناطق غربًا ابتعادًا عن مجرمى المغول ، وكان من هذه المناطق الأناضول ، فأدى هذا إلى زيادة تتريك الأناضول وأسلمته حيث كان معظم هؤلاء المهجَّرين من الأتراك المسلمين ، وخلال القرن الثالث عشر الميلادي عمت الاضطرابات والفوضى كلا من السلطنة السلجوقية والإمبراطورية البيزنطية ، مما أدى إلى ضعف قوتها بعد الحملة الصليبية الرابعة ( 1204م ) عندما استولت على القسطنطينية .

 وفي الوقت نفسه فشلت الدولة السلجوقية في فرض النظام على القبائل التركمانية بسبب ما قام به المغول من سلب ونهب؛ إذ كان المغول قد بدءوا في شن غارات بربرية قاسية وخاطفة ، وأعدوا الحملات وجيشوا الجيوش ، موجهينها إلى آسيا الصغرى مما أدي إلى إضعاف قوة السلاجقة ، مما مهد لإزالتها تمامًا .

وفي هذه الأثناء تدفق البدو الرحل والجند المدربون الذين كانوا شغوفين بخوض المعارك لتحقيق الكسب المادي ولفرض العقيدة الصحيحة على العالم المسيحي . ونزحت القبائل التركمانية إلى الأناضول عند حدود بيزنطية بعيدًا عن هجمات المغول ، والتي كانت تترأسها عائلاتٌ من قبائل تركمانيةٍ من قبائل الأغوز في الفترة التي كانت فيها دولة السلاجقة تلفظ أنفاسها الأخيرة . 

 أرطغرل وانتصار ياسي جمن 

سار أرطغرل مع القبيلة التي انضمت معه إلى أرزنجان . يريدون التوجه إلى « جنوب الأناضول » عند حدود بيزنطة ، فشاهد جيشين مشتبكين ، فوقف على مرتفع من الأرض ليتمتع نظره-بهذا المنظر المألوف لدى الرحل من القبائل الحربية ، ولما اَنس الضعف في أحد الجيشين وتحقق انكساره وخذلانه إن لم يمد المساعدة ، دبت فيه النخوة الحربية ، ونزل هو وفرسانه مسرعين لنجدة أضعف الجيشين .

 هاجم أرطغرل ومحاربوه الجيش الثاني بقوة وشجاعة عظيمتين حتى وقع الرعب في قلوب الذين كادوا يفوزون بالنصر ، لولا هذا المدد الفجائي ، وأعمل فيهم السيف والرمح ضربًا ووخزًا حتى هزمهم شر هزيمة ، ويقال أن أرطغرل وأخيه دوندار بك واجهوا على مقربة من مدينة سيواس (بالتركية:  Sivas)  معركة للسلاجقة ضد المغول ، حيث دعموا السلاجقة مما كان سبباً لفوزهم في المعركة .والمصدر الوحيد الذي ذكر هذه المعركة هو “محمد نشرى”  (Mehmed Neşrî) في كتابه “جيهان نومة” ( تاريخ العالم Kitâb-ı Cihannümâ)، 

ولكن وفقا للمؤرخين فإن معركة “المرج الواسع” ( ياسّو تشيمين ) (بالتركية: Yassı Çemen Muharebesi) الواقعة بين علاء الدين كيقباد الأول سلطان سلاجقة الأناضول وبين الخوارزميين عام 1230م ، قد تكون هي المعنية ،  سلّم السلطان علاء الدين إلى أرطغرل منطقة عند جبل قره جه طاغ (بالتركية:  Karacadağ) ( الواقعة بالقرب من أنقرة حالياً ) في عام 1230م ، حيث عاش فيها أرطغرل مع قبيلته ، وبعد مضي فترة من الزمن في سفوح جبل قره جه طاغ (Karacadağ) في شرق الأناضول ، أرسل أرطغرل ابنه صاووجي بك (Savçı Bey) إلى السلطان علاء الدين كيقباد لطلب الاستقرار في منطقة جديدة .

 ووفقا للمصادر العثمانية ، حصل أرطغرل على هذا الإذن ، فانتقل واستقر مع قبيلته في محيط سكود ، في صقاريا (بالتركية: Sakarya) وتقول الروايات الأخرى وبعد تمام النصر علم أرطغرل أن الله قيضه لنجدة جيش دولة السلاجقة بقيادة السلطان علاء الدين كيقباد الأول في معركة ياسي جمن (yassçiemen) على جيش السلطان جلال الدين منكبرتي خوارزم .

وانكسر الخوارزميون كسرة عظيمة ، وقتل منهم خلق كبير ، واستؤسر بعض الأمراء والجبابرة المشاهير ، وانهزم الكثيرون منهم إلى طرابزون وبلاد الكرج ، وسقط نحو ألف وخمسمائة فارس من كهف عالٍ ليلًا وماتوا .إلا أن الراجح أن المعركة كانت بين السلاجقة و المغول ذلك ﻷن الروايات تثبت أن أرطغرل  قاتل البيزنطيين  في صفوف علاء الدين كيقباد  قبل وقوع معركة ياسي جمن بحوالى 8 سنوات ( أي1222م) ولاشك كان قد تعرف على كيقباد قبل ذلك التاريخ  ؛ ولأن منكبرتي لم يكن بهذه القوة بعد أن مزقته حروب التتار وكان في عدد قليل ممن تبقى من جيشه يحاول الاستيلاء على أخلاط عندما هزمه تحالف علاء الدين و الأيوبيين .

بقية الحلقات : 

تاريخ الدولة العثمانية من البداية الى النهاية – الحلقة 1-

المصادر

  1. تاريخ الترك في آسيا الوسطى، بارتولد ترجمة أحمد العيد . 
  2. أخبار الأمراء والملوك السلجوقية تحقيق د. ممد نور الدين .
  3. كتاب السلوك، أحمد المقريزي . 
  4. قيام الدولة العثمانية للدكتور عبد اللطيف دهيش . 
  5. الكامل في التاريخ .  
  6. شوقي أبوخليل: نهاوند . 
  7. تاريخ الأمم والملوك محمد بن جرير الطبري . 
  8. الدولة العثمانية والمشرق العربي ، محمد انيس . 
  9. فتوح البلدان ، احمد بن يحي البلاذري .
  10. خراسان لمحمود شاكر . 
  11. السلاطين ف الشرق العربي ، د. عصام محمد شبارو . 
  12. تاريخ الدولة العلية العثمانية، محمد فريد بك . 
  13. مرآة الزمان لسبط بن الوزي. 
  14. أيعيد التاريخ نفسه، محمد العبده .
  15. البداية والنهاية ابن كثير .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *