ألفونسو السادس يدخل طليطلة لاجئاً فارا ثم غازياً

ألفونسو السادس يدخل طليطلة لاجئاً فارا ثم غازياً 

ألفونسو السادس يدخل طليطلة لاجئاً فارا ثم غازياً
ألفونسو السادس يدخل طليطلة لاجئاً فارا ثم غازياً 

مقدمة

عمد الملك فرناندو الأول El rey Fernando I ملك قشتالة و ليون (يدعى الكبير El Magno ) قُبَيْلَ وفاته إلى تقسيم مملكته المتحدة على أبنائه الثلاثة و بنتيه . فخصَّ :

  • الإبن الأكبر ،” سانشو الثاني Sanche II ” : بقشتالة و حقوق الجزية من مملكة سرقسطة.
  • الإبن الثاني “ألفونسو السادس Alfonso IV” : بليون و حقوق الجزية من مملكة طليطلة.
  • الإبن الثالث ” غرسية الثاني García II ” : بجليقية و البرتغال، و حقوق الجزية من مملكة إشبيلية و بطليوس.
  • البنت الكبرى ” أوراكا Urraque ” : بمدينة سمورة الحصينة.
  • البنت الصغرى ” إلبيرة Elvira ” : بمدينة تورو و أماكن أخرى على نهر دويرة.

كان هذا التقسيم سبيلاً إلى اندلاع الشقاق بين الإخوة الأشقاء، و سبيلاً إلى الفُرقة و التنازع بينهم، و هو ما حدث بالفعل.

صراع الأشقاء

كانت مملكة نافار في ذلك الوقت تحت يد سانشو بن غرسية، كما كانت مملكة أراغون تحت حكم سانشو بن راميرو، و قد طمع سانشو بن فرناندو في ضمِّ المملكتين إلى أملاكه، و قد شعر مَلِكَا أراغون و نافار بنية ملك قشتالة، فكَوَّنَا حلفًا ضده، و استطاعَا أن يصداه عن مملكتيهما في معركة فيانا عام 1076 م، و بعد عام هاجم سانشو بن فرناندو ملك قشتالة أراضي ليون، و حاول أخوه ألفونسو ردَّه، و لكنه هُزم و تنازل لسانشو عن بعض ممتلكاته عام 1086 م.

ثم أعاد سانشو كَرَّته على ليون، و هُزم في بادئ الأمر، و لكنه استطاع بحيلة ردريجو ياث (الذي يُعرف بالقمبيطور) أن ينتصر على ألفونسو؛ إذ أغار على جيش ليون ليلاً، و دخل سانشو ليون ظافرًا، و اعتقل أخاه ألفونسو و سجنه في يوليوز عام 1071 م، و لكنه خرج من معتقله بوساطة أخته أوراكا، و حُدِّدت إقامته في دير ساهاجون، و قد دَبَّرت أخته أوراكا له حيلة استطاع بها أن يهرب، و التجأ إلى مملكة طليطلة؛ ليكون في رعاية المأمون بن ذي النون، و قد استقبله المأمون أحسن استقبال، و أكرمه و عاش في كنفه أحسن معيشة.

ألفونسو في المنفى بطليطلة 

و لم يركن ألفونسو إلى حياة الهدوء و اللهو و العبث، طوال الأشهر التسعة التي قضاها بين جنبات طليطلة، بل عمل طوال فترة إقامته في طليطلة على الاطلاع على أحوال المدينة، يستطلع مناعة أسوارها ويختلط بأهلها لكشف أسرارها، يدفعه حلم السيطرة على هذه المدينة يوما ناسيا ما قدمه عاهل طليطلة من معروف جميل عندما أواه وهو شريد، وهي حقيقة يقرها المؤرخ الإسباني بيدال، إذ يقول :

« كان ملك ليون المخلوع يختلط بالسكان المسلمين و يتريض في جنبات المدينة الحصينة، و يُفَكِّر من أيِّ الأماكن و بأيِّ نوع من أدوات الحرب يمكن اقتحامها».

و قضى ألفونسو تسعة أشهر في منفاه معزَّزًا مكرَّمًا، إلى أن شاءت الأقدار و تطوَّرت الأحداث في قشتال ، فماذا حدث ؟

لم يقنع سانشو بما تمَّ له من السيطرة على ليون، بل أراد أن ينتزع المُلْكَ من أخيه غرسية ملك جليقية و البرتغال، و قد تمَّ له ذلك، و فرَّ غرسية هاربًا ليكون في حمى المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية و ذلك سنة 1071 م.

عودة ألفونسو للملك

لم يَبْقَ لسانشو من مُلْكِ أبيه سوى مُلْكِ أختيه في مدينتي سمورة و تورو، و عقد عزمه على أن ينزع منهما ملكهما، و استطاع فعلاً أن يستوليَ على تورو، و لم تصمد أخته إلبيرة أمامه، ثم توجَّه بجيشه إلى سمورة، فصمدت أمامه كثيرًا، ففرض عليها الحصار، و في ذات يوم وفد إلى معسكره فارس، و طلب مقابلته؛ ليُنْبِئه عن بعض أحوال المدينة المحصورة، و ما كاد الفارس يراه حتى طعنه بحربته فأرداه قتيلاً، و انفضَّ الحصار عن المدينة، بيد أن أخته أوراكا كانت وراء هذه الجريمة، وكان ذلك في أكتوبر سنة 1072 م.

و هكذا بقيت المملكة بلا ملك يتولَّى شؤونها، و لم يبقى من إخوة القتيل سوى ألفونسو اللاجئ في بلاط طليطلة، و غرسية اللاجئ في بلاط إشبيلية.

و هكذا قُتل سانشو جزاء طمعه و اعتدائه على حقِّ إخوته، فاجتمع الأشراف على استدعاء ألفونسو من طليطلة؛ ليتولَّى الحُكم مكان أخيه، بشرط أن يُقْسِمَ أنه لم يشترك بأي حال في تدبير مقتل أخيه سانشو، فأرسلت أخته أوراكا إليه تستدعيه و تُعْلِمُه بالأمر، و على الفور أعلم ألفونسو المأمونَ بن ذي النون بالنبأ، فما كان من المأمون إلا أن أعرب عن سروره و غبطتُه، و وعده بمساعدته بالمال و الخيل، و لم يطلب سوى صداقته، و أن يعده أن يساعده ضد إخوانه من المسلمين، فقطع له ألفونسو عهده، و ودَّعه المأمون في موكب عظيم إلى حدود مملكته.

على كل حالٍ غَدَا ألفونسو ملكًا على عرش ليون و قشتالة، و هكذا عادت المملكة الصليبية وحدة واحدة، كما كانت على عهد سانشو الكبير و فرناندو الأول.

غير أن غرسية الأخ الآخر لألفونسو طمع في أملاك أخيه و تَمَلَّكَهُ الحسد، فدبَّر له ألفونسو مكيدة بإيعاز من أختهما أوراكا؛ إذ دعا ألفونسو أخاه غرسية للتفاهم، و ما كاد يصل غرسية حتى قُبِضَ عليه، و زُجَّ في السجن إلى أن تُوُفِّيَ سنة 1090 م، و خَلُص عرش المملكة لألفونسو بلا منازع.

 بداية قصة الانهيار الأندلسي 

بعد مقتل أخيه ، تولى الملك ألفونسو السادس El rey Alfonso VI حكم ليون و قشتالة ( 1065 – 1109 م)، و أصبح سيد إسبانيا النصرانية، و عمل على السير قدما في سياسة الاسترداد التي وضع أسسها المتينة الملك فرناندو الأول. و في هذا الصدد ، وقع المأمون إتفاق سلام مع ألفونسو السادس؛ العدو اللذوذ لملوك الطوائف الذي بلغ عددهم واحد و عشرون الذين رفضوا هذا التطبيع و اعتبروه خيانة ، و وصف البابا في روما هذا الإتفاق بأنه تاريخي و أن بعض الإمارات ستنهج نفس الخطوة ، فتبادلا الحاكمان السفراء و أقاموا علاقات تجارية و إتفاقيات عسكرية و تبادلوا الزيارات رغم رفض باقي الإمارات في شبه الجزيرة .

صورة ألفونسو 6 تخيلية
صورة ألفونسو 6 تخيلية

و ما أن وحد ألفونسو مملكة ليون و قشتالة في قبضته، حتى بدأ في مراقبة تطورات الأوضاع في بلاد الأندلس، يتحين الفرصة ليهجم هجمته و يقتنص مدينة طليطلة، بعد أن علم ضعف ملوكها و خبر مكامن قوتها و ضعفها، و كانت الظروف و الأيام تسير إليه متهادية ليحقق حلمه، ففي سنة 1075 م توفي المأمون بن ذي النون حاكم طليطلة، و تولى الحكم خلفه حفيد له في غاية الضعف و غياب القدرة السياسية و العسكرية يسمى يحيى و تلقب بـ”القادر”، و هو للعجز أقرب.

و كان “القادر” فتى حدثا التف حوله بطانة السوء، فقتل وزراء دولته، و بدأ في إساءة السيرة ففشل في إدارة مملكة أسلافه، فطمع فيها الجميع حتى هاجمها المتوكل بن الأفطس أمير بطليوس، الذي دخل طليطلة حاكما عليها، و في تلك الأثناء هرب “القادر” إلى حليفه الإسباني ألفونسو السادس الذي هاجم طليطلة، و أعاد القادر على عرش طليطلة، معلنا في الوقت ذاته حمايته للقادر.

و منذ هذه اللحظة أي سنة 1081 م أصبحت طليطلة تابعة فعليا لمملكة ليون، و بدأ ألفونسو يضع الخطط بعد أن اضطلع على الأوضاع الداخلية لطليطلة للمرة الثانية، و اكتشف مدى ضعف البلاد في فترة حكم القادر بن ذي النون، فعمل على إرهاب ملوك الطوائف و أرغمهم جميعا، باستثناء ملك بطليوس المتوكل، على دفع الجزية له و لم يعد من منافس له، لذلك قرر مهاجمة أراضي مملكة طليطلة، يخرب الزرع و يحرق الأرض ليحرم طليطلة من مواردها و يزيد بؤس أهلها و كدر الحياة عليهم.

و وضح للجميع في الأندلس هدف ألفونسو النهائي من هذه الهجمات، لكن لم يمد أي من ملوك الطوائف يد العون لطليطلة، فقد انشغل المعتمد بن عباد أكبر ملوك الطوائف و أكثرهم قوة بمحاربة إمارة غرناطة، فضلا عن اتفاقياته مع ألفونسو التي جعلته بمثابة خادم تابع له.

سقوط طليطلة

في بدايات خريف سنة 1084 م ، بدأ الملك القشتالي ألفونسو السادس بحصار طليطلة لمدة 9 أشهر كاملة، و لم يكن ثمة معين من ملوك الطوائف الآخرين لهذه المدينة، بل تشير بعض الروايات إلى أن هؤلاء الملوك البائسين كانوا يُرسلون سفراءهم لألفونسو بالهدايا و التحف خشية على أنفسهم، و أنهم أذعنوا له بدفع الجزية التي فرضها عليهم، و في نهاية المطاف، و بعد الجوع و قلة الأقوات و ضعف العامة و انهيار المقاومة سلم أهل طليطلة مدينتهم و هم في ذلة و ضعف إلى الملك الكاثوليكي في بداية شهر ماي 1085 م.

بعد سقوط المدينة ، ضجت الأندلس كلها لأن طليطلة الثغر الذي كان يستقبل فيه الخليفة الأموي عبد الرحمن الناصر لدين الله الجزية من بلاد النصارى، و منه كان ينطلق هو و من بعده من حكام الأندلس لفتح بلاد النصارى في الشمال.

كان سقوط طليطلة إحدى قواعد الأندلس العظمى في يد قشتالة، إنما هو نذير السقوط النهائي، و أن انهيار الحجر الأول في صرح الدولة الإسلامية، إنما هو بداية انهيار الصرح كله، إذ خرجت من قبضة الإسلام إلى الأبد، و ارتدت إلى النصرانية حظيرتها القديمة، بعد أن حكمها الإسلام 370 عاماً.

في 25 مايو 1085 م، دخل ألفونسو السادس مدينة طليطلة دخول الفاتحين، الذي كان قبل سنوات قليلة لاجئاً فيها عند المأمون بن ذي النون، وعفا عن أهلها حتى لا يعطي نموذجا سيئا لبقية المدن الأندلسية التي كان يطمع في فتحها تباعا. و رغم أن الملك ألفونسو أعطى أهالي طليطلة الامان، و تعهد بالحفاظ على حرية العقيدة لدى مسلمي المدينة، فإن الأوامر صدرت بعد شهر واحد بتحويل مسجد طليطلة إلى كنيسة، حيث استغل برناردو كبير أساقفة طليطلة خروج الملك في نزهة وأمر بتحويل المسجد إلى كنيسة فورا.

و في هذا الصدد، يقول أبي البقاء الرُّندي في رثاء الأندلس في قصيدته الشهيرة :

أعندكم نبأٌ منْ أهلِ أندلسٍ
فقدْ سرى بحديثِ القومِ ركُبانُ

كمْ يستغيثُ بنا المستضعفونَ و هُمْ
قتلى و أسرى فما يهتزُّ إنسانُ

ما ذا التقاطعُ في الإسلامِ بينكمُ
و أنتمُ يا عبادَ الله إخوانُ

ألا نفوسٌ أبيَّاتٌ لها هممٌ
أما على الخيرِ أنصارٌ و أعوانُ

يا مَنْ لذلةِ قومٍ بعدَ عزَّتِهِم
أحالَ حالهُمُ كفرٌ و طُغيانُ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *